فصل: الخبر عن رياسة اليهود بني رقاصة ومقتلهم:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن رياسة اليهود بني رقاصة ومقتلهم:

كان السلطان يعقوب في صباه مؤثرا للذاته ومستترا بها عن أبيه يعقوب بن عبد الحق لمكانه من الدين والوقار وكان يشرب الخمر ويعاقر بها الندمان وكان خليفة بن رقاصة من اليهود المعاهدين بفاس قهرمانا لداره على عادة الأمراء في مثله من المعاهدين فكان يزدلف إليه بوجوه الخدم ومذاهبها فاستعمله هذا الأمير في اعتصارها والقيام على شؤنها فكانت له بذلك خلوة منه أوجبت له الحظ عنده حتى إذا هلك يعقوب بن عبد الحق واستقل ابنه يوسف بأعباء ملكه واتصلت خلواته في معاقرة الندمان وانفرد ابن وقاصة بخلوته ذلك مع ما كان من القهرمة عظمت رياسته وعلا كعبه في الدولة وتلقى الخاصة الأوامر منه فصار له الوجه بينهم وعظم قدره بعظم الدولة.
أخبرني شيخى الأبلي قال: وكان لخليفة هذا أخ يسمى إبراهيم وابن عم يسمى خليفة لقبوه بالصغيرة لمكانه هو من هذا الاسم وكان له صهر يعرفون ببني السبتي كبيرهم موسى وكان رديفه في قهرمته فلم يفق السلطان من نشوة صباه وملهاه حتى وجدهم على حال استتبعوا فيها العلية من القبيل والوزراء والشرفاء والعلماء وأوجده السبيل عليهم فسطا بهم سطوة واحدة واعتقلوا في شعبان من سنة إحدى وسبعمائة بمعسكره من حصار تلمسان وقتل خليفة الكبير وأخوه إبراهيم وموسى بن السبتي لم وأخوته بعد أن امتحنوا ومثل بهم وأتت النكبة على حاشيتهم وذويهم وأقاربهم فلم تبق منهم باقية واستبقى منهم خليفة الأصغر احتقارا لشأنه حتى كان من قتله بعدما نذكر وعبث بسائرهم وطهرت الدولة من رجسهم وأزيل منها معرة رياستهم والأمور بيد الله سبحانه.

.الخبر عن مهلك السلطان أبي يعقوب:

كان في جملة السلطان وحاشيته مولى من العبيد الخصيان من موالي ابن الملياني يسمى سعادة صار إلى السلطان من لدن استعماله إياه بمراكش وكان على ثبج من الجهل والغباوة بمكان وكان السلطان يخلط الخصيان بأهله ويكشف لهم الحجاب عن ذوات محارمه ولما كانت واقعة العز مولاه واتهم بمداخلة بعض الحرم وقتل بالظنة واستراب السلطان بكثير من حاشيته الملابسين لداره اعتقل جملة من الخصيان كان فيهم عنبر الكبير عريفهم وحجب سائرهم فارتاعوا لذلك وسولت لهذا الخصي الخبيث نفسه الشيطانية الفتك بالسلطان فعمد إليهم وهو في بعض الحجر من قصره وآذنه فأذن له فألفاه مستلقيا على فراشه مختضبا بالحناء فوثب عليه وطعنه طعنات قطع بها أمعاءه وخرج هاربا وانطلق بعض الأولياء في أثره فأدرك من العشي بناحية تاسالة فتقبض عليه وسيق إلى القصر فقتله العبيد والحاشية وصابر السلطان ميتته إلى آخر النهار ثم قضى رحمه الله يوم الأربعاء سابع ذي القعدة من سنة ست وسبعمائة وقبر هنالك ثم نقل بعدما سكنت الهيعة إلى مقبرتهم بشالة فدفن بها مع سلفه والبقاء لله وحده.

.الخبر عن ولاية السلطان أبي ثابت واستلحامه المرشحين وما تخلل ذلك من الأحداث:

كان الأمير أبو عامر ابن السلطان أبي يعقوب وولي عهده لما هلك طريدا ببلاد بني سعيد بغمارة والريف سنة ثمان وتسعين وستمائة كما ذكرنا خلف ولديه عامرا وسليمان في كفالة السلطان جدهما فكان لهما بعينه حلاوة وفي قلبه لوطة لمكان حبه لأبيهما واغترابه عنه فحدب عليهما وآثرهما من نفسه بمكان وكان الأمير أبو ثابت عامر أصغر قومه إقداما وشجاعة وجراءة وكانت له في بني ورتاجن خؤلة فلحين مهلك السلطان عرضوا له ودعوه للبيعة فبايعوه وحضر لها الأمير أبو يحيى بن يعقوب عم أبيه عز بمجتمعهم اتفاقا وحملوه على الطاعة وكان أقرب للأمر منه لو حضره رجال فأعطى القياد في المساعدة وطوى على النث وبادر الحاشية والوزراء بالبلد الجديد عند مهلك السلطان فبايعوا ابنه الأمير أبا سالم وكاد أمر بني مرين أن يفترق وكلمتهم أن تفسد فبعث الأمير أبو ثابت لحينه إلى تلمسان للأمير أبي زيان وأبي حمو ابني عثمان بن يغمراسن وعقد لهما حلفا على الإفراج عنهم ثم أمره أن يمده بالآلة ويرفعا له كسر البيت إن كان غير ما أمل وحضر للعقد أبو حمو فأحكمه ومال أكثر بني مرين وأهل الحل والعقد إلى الأمير أبي ثابت وتفرد ببيعة أبي سالم البطانة والوزراء والحاشية والأجناد ومن إليهم وكان بالبلد الجديد مسكنه وأشاروا عليه بالمناجرة فخرج وقد عبى كتائبه فوقف وتهيب وخام عن اللقاء ووعدهم الإقدام بالغداة وكر راجعا إلى قصره فيئسوا منه وتسللوا إذا إلى الأمير أبي ثابت وهو بمرقب من الجبل مطل عليهم حتى إذا انحجر أبو سالم بالبلد انحاش إليه الجملة دفعة واحدة فلما استوفت القبائل والعساكر لديه زحف إلى البلد الجديد مثوى السلطان وسياج قصوره ومختط عزمه وانتهى إلى ساحتها مغتنما الفرصة وخرج إليه أبو زيد يخلف بن عمران الفودودي فأرجل عن فرسه بأمر أبي يحيى وقتل بين يديه قعصا بالرماح وكان قريب عهد بالوزارة استوزره السلطان قبيل ملكه في شعبان من سنة ست وسبعمائة.
وفر أبو سالم إلى جهة المغرب وصحبه من عشيره من أولاد رحو بن عبد الله بن عبد الحق العباس وعيسى وعلي ابنا رحو وابن أخيهم جمال الدين بن موسى وأتبعهم الأمير أبو ثابت شرذمة من عسكره أدركوهم بندرومة فتقبضوا عليهم ونفذ أمر السلطان بقتل أبي سالم وجمال الدين واستبقى الآخرين وأمر بإحراق باب البلد ليفتحها العسكر فأطل عليهم قهرمان دارهم عبد الله بن أبي مدين الكاتب وأخبره بفرار أبي سالم وباتفاق الناس على طاعته ورغب إليه في المسالمة ليلتهم حتى ينفجر الصباح خشية على دارهم من معزة العساكر وهجومها ففعل وأمره الأمير أبو يحيى باعتقال أبي الحجاج بن اشقيلولة فاعتقله لقديم من العداوة كانت بينهما ثم أمر بقتله وانفاذ رأسه فقتل وأمر السلطان ليلتئذ بإضرام النيران حتى إذا أضاء الظلام وبات راكبا ودخل القصر لصبحه فوارى جده بعد أن صلى عليه وغص بمكان الأمير أبي يحيى لما تعدد فيه الترشيح وفاوض في شأنه كبير القرابة يومئذ عبد الحق بن عثمان ابن الأمير أبي يفرن محمد بن عبد الحق ومن حضره من الوزراء مثل إبراهيم بن عبد الجليل الونكاسي وإبراهيم بن عيسى اليرنياني وغيرهما من الخاصة فأشاروا بقتله ونميت عنه كلمات في معنى التربص بالسلطان ودولته وابتغاء العصابة لأمره وركب الأمير أبو يحيى إلى القصر ثالث البيعة فأخذ السلطان بيده ودخل معه إلى الحرم لعزائهن عن أخيه السلطان ثم خرج على الخاصة وتخلف عنه السلطان وقد دس إلى عبد الحق بن عثمان أن يتقبض عليه ففعل ثم برز السلطان إليهم وهو موثق فأمر بالإجهاز عليه ولم يمهله وألحق به يومئذ وزيره عيسى بن موسى الفودودي وفشا الخبر بمهلك هؤلاء الرهط فرهب منه القرابة وفر يعيش بن يعقوب أخو السلطان وابنه عثمان المعروف بأمه قضينت ومسعود بن الأمير أبي مالك والعباس بن رحو بن عبد الله بن عبد الحق ولحقوا جميعا بعثمان بن أبي العلاء بمكانه من غمارة وخلا الجو من المرشحين واستبد السلطان بملك قومه وأمن غوائل المنازعين.
ولما تم له الأمر واستوسق أمر الملك وفي لبني عثمان بن يغمراسن بالإفراج عنهم ونزل لهم عن جميع البلاد التي صارت إلى طاعته من بلاد المغرب الأوسط من أعمالهم وأعمال بني توجين ومغراوة ودعاه إلى بدار المغرب ما كان من اختلال عثمان بن أبي العلاء بن عبد الله بن عبد الحق بسبتة ودعائه لنفسه بين يدي مهلك السلطان وخروجه إلى بلاد غمارة واستيلائه على قصر كتامة فاعتزم على الرحلة إلى المغرب وفوض الأمر في الرحلة بأهل المدينة الجديدة للوزير إبراهيم بن عبد السلام لما كانت حين غاصة بالساكن مستبحرة في الاعتمار ممتلئة من الخرثي والآلة فأحسن السياسة في أمرهم وضرب لهم الآجال والمواعيد إلى أن استوقوا الرحلة وتركوها قواء خربها بنو عثمان بن يغمراسن عند رحلة بنى مرين إلى المغرب وتحينوا لذلك فترات الفتن فطمسوا معالمها طمسا ونسفوها نسفا وقدم السلطان بين يديه من قرابته الحسن بن عامر بن عبد الحق انعجون في العساكر والجنود وعقد له على حرب ابن أبي العلاء وتلوم بالبلد الجديد لموافاة المسالح التي كانت بثغور المشرق ولما نزل عنها جميعا لبني عثمان بن يغمراسن ارتحل غزة ذي الحجة ودخل فاس فاتح سبع وسبعمائة والله أعلم.